الضجر أدباً

من مدة تراودني فكرة. تتعزز في كل مرة اقرأ فيها أو أسمع بها أحدهم يتحدث عن أدب كافكا وبيكيت، وهي أن الأدب العظيم هو الأدب الذي حين تقرأه تشعر بالضجر – طبعاً، لا حاجة للتذكير أن هناك أدب ممل، فعلاً، ولا يجب قرأته، وهو ليس بأدب بأي حال من الأحوال – الأدب الذي أتحدث عنه هو الذي تشعر أمامه بأنك تتصفح أدب حقيقي، لكن تجد صعوبة في تتبعه وفهمه والاستمتاع به، وبذلك الاستمرار في قراءته. الأدب الذي يشعرك بأنه يعاني من نقصٍ ما في الحيوية، أو تشعر حياله بعائق غامض يمنعك في صفحات محددة من القدرة على التتبع، قد يكون الكسل الأصيل، الذي في دماغ الإنسان، هو ما يحدّ القارئ من تتبع تلك الفكرة ”الفنية“ التي لا تتطلب الإحساس فقط، إنما تتطلب من القارئ أن يشحذ عقله ويجبره على بذل جهد، لا يقل بشيء عن الجهد الذي بذله الكاتب أثناء خلقه لتلك الفكرة، للوصول إلى جوهر الفكرة، دون هذا الجهد تصبح تلك الصفحات، وربما الرواية كلها، لا معنى لها.
يحدث أن أجد صعوبة في عدد من الصفحات، حينها أتوقف قليلاً، لأعيد القراءة؛ فحيث الشعور بالضجر، أدرك أن هناك، بالضبط، مكمن أهم مافي العمل. فالأدب، بالطبع، يحدث أحياناً نوبة من الإعجاب المباشر والعنيف، لكن العظمة تكمن في أن يُحدث تغيّر داخلي حقيقي في القارئ، وهذا التغيّر هو ما يستصعبه عقل القارئ ويدفعه إلى الشرود والتوقف والملل.

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة