هناك مرة حاولت فيها كتابة يومياتي. لكن عندما عدت إلى ما كتبت لاحقاً، وجدت أنه على الرغم من عدم ذكر أي وصف للمكان لكن لا يمكن لأحد أن يقرأها دون أن يتخيل أنه في مشفى. حيث كتبت بأن اليوم هو الاثنين، الكل يكره يوم الاثنين، لكن بالنسبة للشخصيات الموجودة في مذكرتي، هو يوم مثل أي يوم آخر، محاولة أخرى للبقاء حياً. أتابع، التقيت ك في الردهة. لم يسلم علي. سقطت عدة قطرات، ربما لم يقل لي مرحباً بسبب ذلك: لا يشعر المرء برغبة في قول مرحبا أثناء هطول الأمطار.
سمعت الثلاثة الجالسين حول المائدة يقولون: بأنهم هنا بسبب القذيفة التي سقطت عليهم ذات صباح، ولم يتحسنوا من يومها أبداً. يبتعد عنهم آخر لكي لا يشتبه أحد بأنه واحد منهم، فقد أصيب بطلقة عندما حاول استعادة شيء ثمين سُرق منه، وهناك فرق كبير بين أن تتلقى مقذوفاً عندما تكون صاحياً عن أن تتلقاه نائماً. في الطرف الآخر رجل يبتعد زاحفاً، ينقل ظهره من سلة مهملات إلى أخرى، ليتجنب سماع أحاديث من حوله. على وجهه، ارتسمت علامات سأمه من حرب العشر سنوات وعندما تحمل له أي نسمة هواء خاوية حديثاً يبتعد ويزعق: وأيررررررر، أنا هنا لأرى الشمس.
كلنا نحاول أن نرى الشمس، كلنا ننتمي إلى المكان نفسه، لكن أنا و ك لدينا مهمات إضافية كوننا الأقل تضرراً، أو لنقل أننا معطوبا النفس فقط. بدأنا ننظف الردهة، نزرع بذوراً ونقص أعشاباً زائدة. انتبه ك إلى وجود برك تبلل حذاءه، بحثنا عن مصدر البلل، صعدنا الدرجات، تعبت. تابع ك الصعود إلى القمة. منبع البلل كان من سقيفة المبنى الذي ننام فيه، الصنبور عاطل ولا يمكن إغلاقه أبداً. اقتربت منا ج التي كانت تمتلك بدورها ذاتاً متضخمة أو رؤية مبالغة فيها عن نفسها، لكنها في الوقت نفسه لطيفة معنا،لا تقلل منا بل ترى أننا نستحق الحياة، بطريقة أو بأخرى حتى لو كانت تلك الحياة جحيماً، وهذا ما يجعل غرورها مقبولاً بل محبوباً إذا قارناها بما مررنا به من أشخاص، كانوا يضخمون من ذواتهم بإذلالنا. قالت: وقوعنا في الحضيض لا مخرج له. صحيح أننا عثرنا على مصدر المشكلة، لكن الحضيض هو سقفنا، والمشكلة ربما تكمن فينا. افترض ك بذلك أنه عندما نلمس أي شيء، نتلفه. ورفض بعد ذلك لمس أي شيء. تبقت لديه مشكلة في تجنب المخلوقات التي كانت تطير في الهواء ويتخبط بها، مخلوقات تتمتع بميول وعواطف ومشاعر إنسانية ولكن أجسادها أثيرية.
عندما أخبرت ك أن هذا هراء، وعلينا ألا نتوقف ولا بد أن نمرغ أيدينا في العفن حتى ننظف المكان، فقد كان موقفه طفوليا للغاية، بغضب أبعد بعض المخلوقات الطائرة وبدأ في قلب التربة، أخرج مزيداً من القاذورات. ابن الحرام، يداه لا تخرج إلا الأوساخ، تراشقنا بعد ذلك بعض الشتائم.
اجتمعنا جميعاً حول المائدة، وهذه عادة قديمة لا تحمل في داخلها أي ود، كما قد يعتقد من يسمع الخبر، نجتمع حتى لو كنا ننوي قتل بعضنا. اقترح أحد الخمسة حلاً نهائياً: أن نقتل أنفسنا جميعاً، لكن ك اعترض بشدة لا يمكن ملء الهواء بمزيد من المخلوقات، فقد سمع من ج أن المخلوقات البشرية هي السبب الرئيسي في كارثة تغيير المناخ، وبما أن المشكلة فينا فلا بد أن أرواحنا هي السبب. في تلك اللحظة سمعنا الرجل الزاحف ينادي من بعيد ”لدي حل“ علينا الاجتماع حوله فوراً. بدا واثقاً بنفسه مثل ”أبله“ ديستويفسكي الذي أعتقد في لحظة كان فيها مستلقياً في سريره، أنه لو تمكن من جمع البشر تحت نافذة غرفته، لألقى خطاباً يقنع فيه البشر جميعاً من اتباع سبيل الخير. همس الرجل الزاحف: الحل هو أن يعود كل واحد منا إلى مكان ولادته ويجمع أولاده من حوله ثم ينتحر بهدوء أمامهم.
طرقت ج الأرض بكعبها ثلاث نقرات معلنة نهاية اليوم. علينا العودة إلى أمكنتنا. في اليوم التالي لم يظهر البعض، لكن لم يبال أحد بغيابهم، ما عدا ك الذي بدا متضايقاً جداً.