بجوارك سقط الغريب

وقفت أمام مصطبة منزل عملاق، هناك رأيت رجلاً يجلس في سكون مهيب، كان يرتدي ملابس سوداء وأمامه مشروبٌ أسود، بالتأكيد، رجل يعاني من صعوبات في ربط الأفكار، لكنه خبّأ الأمر بشكل جيد، إما بالإنكار والاكتفاء بالمشروب اللعين الذي أمامه وإما في تقليص كل شيء إلى فكرة واحدة. لست أعرف أي الطريقين سلك هذا الرجل على وجه التحديد. تحت طاولته كان هناك كلب، كما حال أغلب اللوحات المرسومة لحكام العصور القديمة. المشهد غير مكتمل. لا بد من وجود امرأة. بالفعل وقفت امرأة ذات شعر بني مموج، بكل تأكيد، إلى جواري؛ فكلانا غريبان. الغريب صفة الكل عدا الرجل الجالس على المصطبة. نظرت المرأة حولها، تفقدت المكان، وبعد أن انتظمت أنفاسها ولم يبقَ من خوفها سوى الوهج اللامع على شفتيها، قالت: لقد توجهتَ إلى الغرب أكثر فأكثر، ثم نسيتَ العودة. قبل أن أجيبها، فكرت في حاجتي الدائمة إلى الفرار، التخلي المستمر والسير نحو الجبال، نحو أراضي الصقور. أنا أيضاً أجد مشقة كبيرة في ربط الأفكار، ولست قادراً على وضعها في تسلسل هرمي، ربما لا رغبة لي في ذلك، لدي أفكار عديدة، تأتيني واحدة في كل لحظة، ثم تتغير دون أن تحاول فرض نفسها على أيٍّ كان. لهذا السبب لم أستطع التوقف. كنت سوف أخبرها بكل هذا وعن صعوبة العودة ما لم أملك رؤية. لكن بما أن حضورها ذكرني بامرأة أحببتها سابقاً ولا زلت، دون جدوى، لأنني لم أحارب كفاية حتى نبقى معاً، فقلت لها: عندما لا نستطيع تغيير الأفكار التي نعيش وسطها، فإننا نغير الأماكن. أخبرتني أنه لا بد من المقاومة وأنه في كل مرة يفرض عليها الاستسلام والابتعاد عن الطريق الذي قررت السير فيه، تعود لتبحث في داخلها عن بقايا مقاومة، لا بد من وجودها أبداً في مكان ما داخل كل غريب وما عليه سوى البحث. أجبتها أنه حدث لي شيء من قبيل ما حدث مع سلفادور دالي أثناء مهمة حراسة له في الخدمة العسكرية، ترك البندقية مستلقية على صندوق الحراسة مع ملاحظة تقول: إنها تستحق الحراسة، ورحل. لقد خسر سلاحه كما خسرت أنا كل القوة أثناء محاولاتي البائسة في ربط الأفكار. لكن يمكنك تغيير وجهة نظرك، قالت: لا بد من أشياء يمكننا القيام بها .. الخيال، الكتابة.. التصورات الخيالية للمستقبل هو فعل يكرهونه، حتى القفز من النافذة هو أمر يزعجهم. حرك الرجل يده قليلاً كما لو أنه يستعد للطيران، ربما أزعجته أصواتنا وأراد قول شيء ما. دائماً ما أتخيل أنه عندما ينزعج شخص من شيء قلته، فإنه سيرد باستخدام نبرة صوت مطابقة لصوت هايدغر، لكن رده كان هادئاً. أخبرنا: يمكنكم الهروب. ثم أصدر صوتاً، وعبارات تحوي نوعاً من الفكر الذي لا يمكن فهمه فهو ليس سوى صخب، وبالفعل كان هناك صوت ضجيج لسقوط شخص ما كان واقفاً إلى جواري. 

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة