“حزن غير محتمل” – بيتر هاندكه

في جو من الحزن الشخصي من جهة الذات والمونديالي من جهة أخرى بحثت بين قائمة الكتب التي هي للقراءة مستقبلاً، عن عنوان ملائم لنفسيتي، وبما أن من طبيعتي دق الماء بالماء، اخترت كتاباً بعنوان ”حزن غير محتمل“ لبيتر هاندكه. قرأت الكثير من روايات هاندكه سابقاً. أحببتها رغم ذاتية ما يكتب ورغم سوء الترجمات. لكن هذه الرواية شيء مختلف. رواية تجعلك ترغب في أن تقدم لكاتبها نوبل أخرى – بالمناسبة لا أدري إن اعترض النقاد حينها على نيل هاندكه لنوبل بسبب ذاتية ما يكتب وقصر رواياته أم أن النقد اقتصر على آني إرنو- الرواية هي نوع من الرثاء من الكاتب على وفاة أمه (انتحارها). قرأت سابقاً لكتاب تحدثوا عن فقد أحد والديهم. رواية بول اوستر عن والده كانت مملة. حداد رولان بارت لم استطع استكماله. وتجارب أخرى لا داعي لذكرها. لا توجد واحدة اقتربت مما استطاع تقديمه هاندكه في صفحات قليلة من سيرة لوالدته، تتضمن تقديم قضايا نسوية – أمر لم أتوقعه من بيتر – من خلال سرده لحياة أمه والتحولات التي مرت بها. وكذلك يتحدث عن الكتابة. مشاكل الكتابة. القراءة وتأثيرها. الفقر والحرب سياسياً واقتصادياً. كل هذا قدمه بلغة مكثفة. شعرية وبسيطة. لغة قريبة من شعر دانتي وخياله البصري، فهو ”هاندكه“ بصري بمعنى أنه يحاول أن يجعلنا نرى ما رآه، مضيفاً إليه رؤاه -لذلك يستخدم لغة بالغة البساطة وتقريباً لا أتذكر أنه استخدم أية استعارات – فلا سبيل إلى فهم الرواية والتفكير بها ولا حتى فهم التجربة التي يقدمها إلا حسياً أي من خلال القدرة على استقبال الصور التي يقدمها هاندكه واسقاطها في دواخلنا. ربما توصل قراءة الرواية ما رغبت قوله في العبارة السابقة وعجزت عنه. رواية لا بد من قراءتها.
ربما حاول رولان وبول أن يقدما لنا عواطفهما الإنسانية، أما هاندكه فإنه هنا يعطينا تجربة أكثر اتساعاً وارتفاعاً وعمقاً. أعتقد هذا.
في النهاية شكر كبير للمترجمة المميزة فعلاً. التي استطعت من خلال ترجمتها الجميلة فهم عظمة هاندكه الأدبية.

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة