وصل شافيل الى المنزل في وقت متأخر، وعندما يصل متأخراً، يجد صعوبة في النوم، لأن روتينه اليومي في الاسترخاء قبل النوم يصبح مستحيل التحقق، لينقذ ما يمكن انقاذه بدأ من الفقرة الأخيرة من روتينه وهي القراءة. في الصباح، عندما استيقظ شعر بألم على مقدمة رأسه وكأن أحدهم ضربه بعصا وهو نائم، سأل فيونا ان كانت قامت بذلك، أجابت بالنفي.
نهض من السرير، تفحص جسده الذي بدى سليماً، أومأ برأسه لفيونا بالرضا، كما لو كان يشير الى أنّه من الممكن احياناً الائتمان بالنفس لكائن بشري الى جانبه. توجه بعد ذلك بكامل جثته الى المطبخ، باستثناء عقله الذي ظل في السرير يفكر بما رآه في منامه، وهي قصة حدثت معه منذ عدة سنين ولكنها تتكرر في كل مرة يستسلم فيها بعمق للنوم، كما لو كان حدثًا لانهاية له في تكراره.
كانا في السيارة شافيل وصديقه، المهندس عبدو، الذي كان يقود مبتهجاً بما سمعه في الاجتماع عن النصر المؤكد، وقد تعرف شافيل عليه بإحدى هذه المؤتمرات الكثيرة في بداية الحرب. وهو رجل خمسيني سمين، لا يفارق وجهه الابتسامة كما لو انها وشمت على محياه. في الطريق، تلقى عبدو خبر مقتل كل موظفيه، الذين يتجاوز عددهم الثلاثين، بقذيفة سقطت على مكان العمل. بعد ذلك، وهم يقطعون منطقة اشتباك، قال عبدو لشافيل ان قدماه تيّبستا وانه يشعر بألم في صدره. ثم خرجت السيارة عن الطريق لتسقط في المنحدر، عندما استعاد شافيل وعيه زحف الى خارج السيارة الى صديقه، الذي كان مستلقياً هناك بكل أريحية على الرغم من كل الرصاص الذي كان في الأجواء، لكنه عندما اقترب منه ادرك ان هذا الهدوء كان بسبب انتقاله الى الحياة الأخرى.
بعد ان فشل شافيل في حمله، ادرك ان الاجساد بعد طلوع الروح منها تتشبث بمكانها. توجه الى عائلته ليخبرهم بما حدث ولكن جثة عبدو بقيت مستلقية هناك ثلاثة ايام بسبب الاشتباكات.
-لكنها قصة حدثت منذ سبع سنين وعليك ان تتجاوزها، وإن تخلصت من القصة عقليا فلن تراها بعد ذلك في المنام.
-النوم العميق هو موت العقل واستيقاظ للجسد، أي ان القصة جزء من كياني وليست مجرد حلم.
-الانسان يحول المأساة التي مر بها الى نقطة اساسية يستند عليها في حياته وهذا خطأ.
-ربما.
-اريد ان اخرجك من هذا السواد. وتابعت بعد ذلك فيونا، ان على الانسان ان ينسى ثم ذكرت الكوارث التي حصلت للبشرية كما لو انها تذكر بعض الحوادث في فيلم هوليودي. شعر شافيل بأنه يرغب ان يكون وحيداً ليصفي ذهنه، اراد ان يبقى مع الله وحده لحظة، فتوجه الى الحمام.
في بعض الحالات على الإنسان ايقاف محاولة اختراع الحلول، وترك الأمور كما هي، حتى تجف.
عندما كان شافيل يلتقي صدفة بعبدو في الشارع، كان الأخير، يستقبله في الاحضان وبقبلة على جبينه. في احدى المرات كان شافيل مع امه وعندما رأت الطريقة التي يحتفي فيها عبدو بشافيل، سألته ان كان لديه بنات في سن الزواج؟ فالبنسبة للأم لابد من وجود مؤامرة على ابنها. فكّر شافيل ان الألم في رأسه قد يكون بسبب تلك القبلة.
-” يحدث لي أحياناً أنني لا أفهم حدثاً صار معي لكني اخترع معنى ما لأتمكن من شرحه واعتبره حقيقة مليئة بالمصداقية، وهذا كل ما عليك فعله” قالت فيونا
-الحقيقة الوحيدة هي ان السيارة انقلبت. اجاب شافيل.
رُسِمَ على وجه فيونا ابتسامة على شكل قارب، قارب مصمم ليطفو فوق الأحاديث دون الغوص في العمق. شعر شافيل بالقلق عليها، فهو يظن ان هذا النوع من البشر، المتفائلون بالحياة، اكثر قابلية للانهيار إن تعرضوا لأمواج عالية من الأحداث فهم غير مهيئين للغوص، فالنجاة تحتاج الى تدريب طويل للنفس. على النقيض منهم المتشائمين الذين يرون الحياة عبارة عن دوامة مستمرة من الألم.
كلما زاد اقتراب فيونا من شافيل كبرت ابتسامتها، فهي تستطعم الأمل من رائحة البشر، على عكس شافيل الذي يستطعم المسؤولية والفناء وهما شيئان يحثاه على الابتعاد.
سألها ان كانت ترغب في شرب القهوة؟ فلكي يثبت الرجل في هذه الأيام أنه يؤمن بالمساواة، بما أنّ الاثنان يعملان، عليه القيام بكل الأمور المنزلية.
أجابت فيونا، انها في الأمس عندما مرّت بالمقهى الذي في نهاية الشارع لتطلب القهوة الصباحية، دخلت امرأة كان شعرها في حالة فوضى كما لو انها لم تنته من عملية الاستيقاظ بعد. توجهت المرأة الى الساقي وأخبرته “انها كانت في البار بمفردها ليلة الامس الى ان قابلت رجلاً، وأنهم تحدثوا لبعض الوقت بعد ذلك أخذته الى الفراش لانها تنام بشكل افضل مع الغرباء”. تابعت فيونا بعد ذلك بحديث أخر، دون ان يصل شافيل لفهم الغاية من القصص المتتالية، فالمقصد بطريقة او بأخرى لا يتضح في النهاية. ادرك شافيل انه لن يحصل على أي اجابة على سؤاله فإن الاجابة المختصرة ب “نعم” او “لا” غير موجودة في مفهوم فيونا عن التواصل. فكّرَ انها تتحدث وتنتقل بالأحداث وكأنها في حلم، وانهما مختلفان، فبينما يعيش هو اثناء نومه في الكوابيس، تنام هي اثناء يقظتها في حلم يبدو لطيفاً لها.