في وقتٍ سابق وبعيد، وجد ك نفسه في مباراة فردية للتنس. كانت اللعبة فردية لدرجة أنه كان اللاعب الوحيد فيها. لم تكن هناك كرات أو شباك، لكن التصفيق كان مسموعاً حتى قبل بداية اللعبة. أحب نفسه الموجودة على الطرف الآخر، وواجهها بكل حزم. خسر بعض النقاط وهو يفكر فيما إذا كانت الإذاعات والصحف ستتحدث عن المباراة في قسم الرياضة أم قسم الدراما.
ازداد تصفيق الجمهور وهياجه بعد أن نصحه المدرب: ” حان وقت أن تقلب النتيجة “. شدّ على ساعده ليحقق أهدافاً سريعة، لكن الكرة، بسبب صيحات الجمهور، في كل مرة كانت تغير اتجاهها، فتصل إلى الطرف الآخر من الملعب بشكلٍ يسهل رده.
كلما ازداد إصراراً على تسجيل هدف، كلما علت الصرخات، والنقاط كانت دوماً لصالح المدرجات.
في اللحظة التي شعر فيها ك إمكانية حدوث شيء مهم، مرَّ من أمامه فأر أخبره بهزة من ذيله أنه إذا أراد تحقيق رغبته عليه أن يتبعه إلى الأسفل. لقد عرف ك ما أراد الفأر إخباره، لأنه قرأ مسبقاً الفقرة التي تتحدث عن كيفية وصول المرء لهدفه، في إحدى تلك الكتب التي كلّف باتلافها، ذلك العجوز الأبله، من قبل بوهوميل هرابال، على الرغم من أنه لم يجد حينها كلمات واضحة ولا حتى خطة محددة في تلك الصفحات، لكن الأمر كان معروفاً له ولكل شخص في المدرجات. اقتلع عينه اليسرى والحقها بضربة مضرب بالفأر، الذي دخل من فتحة أرضية إلى العالم السفلي، هناك وجد قتالاً رهيباً، أرعبه حتى الموت، بين عشيرتين من الفئران على حق السيطرة على كل النفايات في المجاري. اعتذر الفأر عن هذا المشهد، وأخبر ك بأن عليه الآن أن يأخذ خنجراً من هناك، ويضعه حول عنق المدرب ونفسه، وذلك ليحقق نتيجة طيبة في تلك المباراة ويلتحق بهم في الأسفل. تردد ك في البداية، لكن الفأر حسم الأمر بقوله إن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق المجد، وجعل الجمهور ينصرف عنه، وهذا بالضبط ما كان ك مرعوباً منه.
—————————————————————
في بعض الأحيان، عندما يبدو القدر عبثياً، وتبدو الرياح محتارة في مسارها، تتخبط في كل اتجاه، أحب أن أسير على طول النهر، أسفل منزلي. ربما لأنني، هناك، أرى خطاً واضحاً يجب اتباعه، أسلم نفسي له وأسمح لأحلامي -التي قد تكون فكرة أو ذكرى أو طموحاً تعثر طويلاً- أن تتسرب على الأرض حتى تنتهي عند الرصيف، عندما تبدأ الأبنية بالظهور. على الجانب الآخر من الطريق، جسر متسخ، يقف بدون غطرسة، يصل بين ثلاثة أطراف، الأول مهمل وتنتشر على أرضه الكثير من الواقيات الذكرية وبعض الأوساخ التي لا تصل لدرجة أن تشكل أكواماً ولا أن تثير أعمال شغب. أما الثاني فيبدو أنه حافظ على لياقته بشكل جيد، يستيقظ وينام في أوقات محددة. الثالث الذي اخترته ينثني في نهايته باتجاه فتحة صغيرة تبدو وكأنها وهم أو شيء غير مرئي يتابع مسار النهر دون أي علامة تشير إليه أو ذكرى أو أثر.
كل بضعة أمتار، كل بضع خطوات، تنبثق من الأرض حجرة، وأعقاب متصالبة على شكل فزاعات الحقول، أخطو فوق بعضها وادوس أخرى لكي أخفف عن الطيور، خوفها. أما الشجر والأوراق فراحت توجه وتروض الريح التي أصبحت الآن مسيّرة ومتقطعة وتضربني وجهاً لوجه، بخجل، تجرف أفكار وذكريات أولئك الذين سبقوني.
فقط عندما تقف سفينة كهربائية على جانب النهر، أرفع رأسي لأنظر بعيداً هناك، في الأعلى، أرى أشباحاً تشبه دون كيشوت دون أن أرى طواحين الهواء العدوانية. في المدن الكبيرة، لا ترى من يشتري قوتنا اليومي، ولا تسمع نباح الكلاب المربوطة بعمود إنارة، وليس هناك من وميض يبحث عن صاحبه، كل شيء يحدث في تثاؤب مهول.
أضطر أن أصعد إلى الرصيف، أستسلم لقوة البلاط وسلاسته المغرية. اتجنب بعض النقوش واقفز على قدم واحدة. سأنجز، لا ..سأنجز، لا.. عندما أختم ذلك الرصيف بلا.، ينتهي الأمر بفشل ذريع.
في أحد الأيام، كان يوماً ممطراً، يوم ترتدي فيها كلاب الحي الأنيق معطفاً واقياً من المطر. كنت أمشي في عجلة من أمري لألحق بالقطار، رأيت رجلاً يبدو أن لا مأوى له، مستلقياً بأمان، يحك أضلاعه بإحدى يديه ويضع الأخرى تحت رقبته، يشاهدنا، نحن المارة نركض، تخيلتنا فزاعات خرقاء لا تعرف، بعد الآن، حتى كيف تبتل.