صباحٌ كهذا..

استيقظت مبكراً هذا الصباح، كالمعتاد، قبل أن يطلق المنبه زعيقه،- أفضل أن استيقظ وأموت بقرارٍ داخلي، لا أمرٍ خارجي. شعرت اليوم بروحٍ متجددة، بحب. فضلت على أثره مغادرة المنزل باكراً، قبل ذلك الموعد الإلهي الصادر عن أرباب العمل. في المصعد قابلت جاري الذي خرج بدوره، أيضاً، مبكراً. سألني إن كنت أنوي مثله الانفصال عن المجتمع بالخروج قبل الآوان؟ ابتسمت، ابتسم عندما لا أفهم. أضاف: أريد الابتعاد بما فيه الكفاية. أن لا نخرج سوياً من مخادعنا هذا أقل ما يمكن فعله. أجبت: لا أدري. ربما خرجت لهذا السبب. وربما لآخر. أسباب أخرى. كل يوم استيقظ بمزاج ودوافع مختلفة. انفصال. هروب. أحياناً، أبحث عن بداية جديدة، كما لو كنت بيكيت الذي أخبروه بأن بدايته لم تكن موفقة وعليه البحث عن بداية أخرى. وفي مرات عديدة، أستيقظ كما اليوم بروح مدفوعة إلى الأمام. السير قدماً، وإن كان إلى الموت. يسبق رأسي الجسد. يمط ويلقي بنفسه إلى الخارج. إلى الآخر. يهرع وراء حلمٍ لا يعرفه. يعدو إلى أن يفقد وعيه. “كما لو أنك لاكي كلب البشرية ” رد الجار. وأضاف أنه هو صنع من تراب القلق، كل شيء بداخله قلق، وأنه هكذا، مهما يقول له الخارج، لا يستطيع سوى الاستماع إلى ما هو موجود في الداخل؛ فهو لا يملك إلا ذات واحدة. دافع واحد، و روح ميتة.

——————

بالقرب من موقف الباص، أخذ رجلٌ بالصراخ، فعل ذلك بلغةٍ غير معروفة. بالنسبة الي، في ذلك الوقت المبكر، كل اللغات تبدو غير معروفة. وصلت إلى الموقف متأخراً. نادراً ما أتأخر. أحتقر كل الذين لا يحترمون الوقت. عندما يتأخر أحدهم سواء حدث الأمر معي أم مع غيري أو حتى عن العمل، زميل العمل بشكلٍ خاص. أسجل اسمه في الملاحظات، إلى جانبه ”يقتل لاحقاً“. في الباص، فكرت في كتابة قصة. عن امرأة ذات شعر أسود، تشبه طير السنونو. تخرج إلى المخبز. لها عيون بنية تميل إلى الأخضر مثل مياه المستنقعات. لو بقيت مدة أطول جالساً في الباص لغرقت فيها. بقيت أفكر بالقصة أثناء السير. لكن بشكل أكثر حيوية. فكرت بإضافة بيكيت إلى القصة. في كل مرة أقرأ فيها بيكيت، أفكر بشخص عاجز، مريض، يتحدث دون أن يكون مفهوماً. يتحدث لغة أجنبية. عاجز، لكن في الوقت نفسه شخص لديه القوة للاستمرار. ستتحدث المرأة السنونو بلغةٍ أجنبية. توقفت لبعض الوقت عند إشارة المرور. أمر غريب، عادة لا أتوقف عند إشارات المرور. يبدو أن الجسد يتبع النظام عندما يكون الذهن في مكانٍ آخر. لربما الأمر لا يتجاوز أنني أمضيت ليلة سيئة، فلا رغبة لي بالمزيد. في القصة، المرأة التي تتحدث لغة أجنبية، ستعتقد أنّ بقية الناس يفهمونها، حتى لو تجاهلوها. وقد يفهمها حقاً رجل خرج إلى العمل في وقتٍ مبكر. لأن مثل هذه المواقف يمكن أن تحدث في القصة.

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة