كلمات..كلمات

توجهت إلى المقهى في وقت مبكر من هذا الصباح، تمنيت ألا يكون هناك الكثير من الناس، أنا لا أحب الناس، ربما لهذا اليوم فقط، ربما للأبد. اخترت الجلوس إلى طاولة، ليس بعيداً عني، جلس اثنان، امرأة بفستان أحمر ورجل يضع فوق رأسه قبعة، كان بإمكاني الذهاب بعيداً، اختيار زاوية فارغة تماماً، لكن لأكتب أحتاج إلى سماع جملة، للبدء.   

أستطيع الاستغناء عن الجميع، لمعظمنا القدرة على ذلك، لكن لدي رغبة في الكتابة، لا أستطيع منع نفسي عنها. في عزلة عن الآخرين، هناك كتابة اللاشيء، كتابة الصمت، تجرأت على خوضها عدة مرات، انتهيت في أغلبها إلى الفراغ، والصمت ليس فراغاً، إنه شيء من قبيل السكون المطول الذي يشعرنا بالتوتر والترقب والعطف في المؤلفات العظيمة، بل أكثر بكثير.. 

في يوم سكون الله إلى عرشه، في صمت اليوم السابع، حدثت الحياة.

في المرات التي لم أنته بها على فراغ، انتهيت إلى الثرثرة، حول العديد من الأفكار التي تأتيني، الواحدة تلو الأخرى، ملأت بها الصفحات، دون الإمساك بشيء، كانت المعاني تهرب مني إلى مكان سحيق، حيث لا حياة. والصمت معاش..محسوس.. هو فكرة، سارت أمور كتابتها على ما يرام، وخلقت صورة فريدة: مستنقع يعيش القارئ في عبوره تجربة حسية لا تضاهى. 

سألت همنغواي، بعد إطلاق النار، إن توّصل إلى الصمت؟ أجاب: لقد كان الجو بارداً في ذاك الصباح، حملت البندقية، وجهت الرصاصة، بعدها بقيت في جحري، مستلقياً لوقتٍ طويل على السرير، حولي انتشرت قطرات كثيرة مشكلةً بقعاً على شكل مستنقعات متفرقة، تطفو فوق بعضها طحالب بلونٍ قاتم، نظرت إلى الجدار الواقع خلف رأسي… مستنقعات…ومستنقعات… حاولت العثور على مقياس للعالم، أو الحياة.. شيء مستحيل.. واصلت التفكير.. فكّرت لا بد من كتابة قصة، حيث تكون كل بقعة من حولي عبارة عن مكان، وعند الوصول إلى المكان الأخير سأقول وداعاً. والقصة ستبدأ هكذا:  توجهت إلى المقهى في وقت مبكر من هذا الصباح، … سمعت الرجل يهمس من تحت قبعته إلى سيدة تجلس قربه بفستانها الأحمر : ”استيقظت اليوم على كابوس: غرفة مليئة بالكلمات“.

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة