شاعر ينهار عند الحافة E

ـ كلامي واضح، الفحوص السريرية والمخبرية تؤكد انك لا تعاني من شيء.

ـ لكن هذا غير ممكن. لا بد من وجود مشكلة في الفص الجبهي.

ـ ارجوك اخرج.

حدث هذا بعد ان نشر الشاعر قصيدة على الفيسبوك، فقرأها طبيب، من قائمة اصدقائه، وعلق على منشوره بأن لديه مشكلة في عقله ونصحه بمراجعة طبيب في أسرع وقت. 

خرج الشاعر من العيادة حائراُ, وعندما وصل الى البيت اخبر زوجته بما قاله الطبيب الواقعي. بعد نقاش طويل..توصلا الى انه مريض لا محالة والطب عاجز عن اكتشاف مرضه الخطير، فليس هناك من شك بما قاله الطبيب الافتراضي فهو شخص يكتب في الشأن العام من سياسة واخلاق ويناقش ايضاً كل الامور الاجتماعية، وفي أخر منشورين له تحدث عن الوضع في البيت الابيض، بالإضافة الى أنه اونلاين دوما، شخص نجيب مثل هذا لايمكن ان يخطئ. استلقى الشاعر في فراشه متصفحا الفيسبوك دون ان يضع لايك او تعليق لأحد متعذرا بمرضه، وتجمعت عائلته حوله للاعتناء به. نشر اصدقاؤه الكثير من الدعوات لاجله، ونشب خلافٌ في الغروبات حول هذا المرض الغريب الذي حل بالشاعر العظيم الى ان تدخل الطبيب منهياً الجدل بمنشور يشرح فيه المرض بالتفصيل ووصل الى نتيجة ان المصابين بهذا المرض يموتون خلال اسبوع.

بدأت الناس تتوجه الى منزل الشاعر لالتقاط سيلفي معه، وتهدأت زوجته التي انهارت كليا من الخبر، اما اولاده فكانوا يلعنون الشاعر والزحام، الزحام الذي انتهى بعد ان اردف الطبيب دراسته تلك بمنشور جديد يتحدث عن ان المرض معد، فانقطع الشاعر بذلك من الزيارات واللايكات والدعوات الفيسبوكية.

في الأيام التالية قرر الشاعر ان يتجاوز نفسه وحزنه، لكي يستغل ما تبقى له من ايام في كتابة الشعر، متبعا بذلك المقولة، التي قرأها منذ مدة في كتاب بعنوان ”مت فارغا“، وهي ”لا تمت وانت ممتلئ بأفضل أعمالك“. عندما بدأ نشر قصائده لم يتفاعل معها احد خوفا من العدوى ووصل الحرص بالبعض درجة الحظر. مع كل نقصان في قائمة الاصدقاء كانت كلماته تصبح اكثر حدة ومع تزايد التبليغات اصبح الشاعر على حافة النوتة E فنشر قصيدة لا يمكن فهمها عبارة عن نشاز موسيقي بالمقطع EEEEEE وصل ضجيجها الى البيت الازرق في امريكا فأمرت ادارة الفيسبوك باغلاق صفحته. 

انتشر خبر وفاة الشاعر بعد ان اصبحت صفحته عبارة عن error في محرك البحث، حمّل الشاعر واصدقاؤه الصفحة في تابوت. في الجنازة مشى الشاعر والطبيبان والشيوخ والاصدقاء وراء النعش اما النساء فُرض عليهن البقاء في المنزل حسب الشرع. استنكرت الزوجة الامر واقترحت على النساء بأن يلحقن بالجنازة فزمن التفرقة بين الجنسين قد مضى. صاحت احدى النساء ان هذا الفصل هو سوء فهم لدين محمد. عندما اقتحمن النساء الموكب، هاج الشيوخ واتباعهم وانسحبوا لاعنين الشعراء الذين يحرضون على الفسق حتى في مماتهم. شعرن النساء بقوتهن بعد انتصارهم في تلك الجولة وقررن ترك الموكب ومتابعة مسيرتهم الى الساحة الرئيسية للمطالبة بحقوقهن وتبعهم بعض الرجال النسويين ليقدموا لهن النصح. لم يبق مع الشاعر سوى بعض الموسيقين الذين اتوا للدفن احتراما لنهاية الشاعر الموسيقية، اقترح احدهم عزف مقطوعة على النوتة E لروحه، اعترض أخر بأن هذه النوتة لا تتناسب مع الجنازات، فانسحبوا هم ايضا قبل نشوء خلاف حماية لحساسيتهم الموسيقية، وضع الشاعر التابوت في القبر. بعد ذلك، لم يعد احد لذكر الشاعر وكأنه اصبح كائن غير مرئي او ربما مات بالفعل.   

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة