بجوارك سقط الغريب

وقفت أمام مصطبة منزل عملاق، هناك رأيت رجلاً يجلس في سكون مهيب، كان يرتدي ملابس سوداء وأمامه مشروبٌ أسود، بالتأكيد، رجل يعاني من صعوبات في ربط الأفكار، لكنه خبّأ الأمر بشكل جيد، إما بالإنكار والاكتفاء بالمشروب اللعين الذي أمامه وإما في تقليص كل شيء إلى فكرة واحدة. لست أعرف أي الطريقين سلك هذا الرجل على وجه التحديد. تحت طاولته كان هناك كلب، كما حال أغلب اللوحات المرسومة لحكام العصور القديمة. المشهد غير مكتمل. لا بد من وجود امرأة. بالفعل وقفت

كلمات..كلمات

توجهت إلى المقهى في وقت مبكر من هذا الصباح، تمنيت ألا يكون هناك الكثير من الناس، أنا لا أحب الناس، ربما لهذا اليوم فقط، ربما للأبد. اخترت الجلوس إلى طاولة، ليس بعيداً عني، جلس اثنان، امرأة بفستان أحمر ورجل يضع فوق رأسه قبعة، كان بإمكاني الذهاب بعيداً، اختيار زاوية فارغة تماماً، لكن لأكتب أحتاج إلى سماع جملة، للبدء.    أستطيع الاستغناء عن الجميع، لمعظمنا القدرة على ذلك، لكن لدي رغبة في الكتابة، لا أستطيع منع نفسي عنها. في عزلة عن

الثالثة قبل الشمس

”لا يمكنني تحمل سيرة حياة الأدباء، رغم أن الأدب ليس بهذا السوء“. هذا ما قاله لي صديق اتصل بي هذا الصباح ليطمئن علي، بعد أن رأى مصباح غرفتي مضاء لوقت متأخر على غير عادتي. أخبرته بأني احتجت إلى إجازة بعد عدة أشهر من العمل لساعاتٍ طويلة. أخبرني أنه يسمع في صوتي نفس خيبة الأمل التي يسمعها في صوت والدته، التي حين تشعر بالخيبة تتحدث بصوت غريب ولهجة حلبية مختلفة عن التي اعتاد سماعها منها، كما حالك الآن: ”تتحدثون حلبية مختلفة“.

صباحٌ كهذا..

استيقظت مبكراً هذا الصباح، كالمعتاد، قبل أن يطلق المنبه زعيقه،- أفضل أن استيقظ وأموت بقرارٍ داخلي، لا أمرٍ خارجي. شعرت اليوم بروحٍ متجددة، بحب. فضلت على أثره مغادرة المنزل باكراً، قبل ذلك الموعد الإلهي الصادر عن أرباب العمل. في المصعد قابلت جاري الذي خرج بدوره، أيضاً، مبكراً. سألني إن كنت أنوي مثله الانفصال عن المجتمع بالخروج قبل الآوان؟ ابتسمت، ابتسم عندما لا أفهم. أضاف: أريد الابتعاد بما فيه الكفاية. أن لا نخرج سوياً من مخادعنا هذا أقل ما يمكن فعله.

تمتمات الصمت

قرأت أنّ الصمت هو اسم الموت. لا أعرف لماذا ولكن عندما قرأت هذه العبارة فكرت، أو بشكلٍ أدق: ظننت، أنه هكذا في المرة الأولى. أما عندما يموت أناسٌ قد سبق لهم أن ماتوا بالفعل، أو هكذا بدوا وظنوا بدورهم، يصبح الأمر مختلفاً، ذاك الصمت الأبدي يصبح أكثر رعباً. يصبح صاخباً. تخرج الكلمات من تلقاء ذاتها. من الضحايا. من الناجين. يموت الصمت. تمتمات. لقد تخلى عنّا الرب. الرحمة يا رب. نوبات سعار يطلقها ذاك البعيد صوب الخير. صوب العالم. يخرج أحد

نصف صوت جهنمي

أحياناً، يراودني شعور مفاجئ بالندم، لا لشيء محدد. تندم هذا هو الأمر. دون أي سبب على الإطلاق. يستمر هذا الشعور لعدة أيام. وكثيراً ما أندم لأسباب أدركها، لذكرى تنغر روحي. إن أحببت أن أقدم بعضها، لأمكنني ذلك؟ نعم، فأنا أمشي في مناطق مفتوحة، لا بشر فيها، ليلاً ولساعاتٍ طويلة. هذا يعطيني وقتاً كبيراً لأتذكر. أشياء فعلتها. وأشياء لم أفعلها. أتذكر تلك الفتاة التي قلت لها في المدرسة، أمام التلاميذ: جدتي لا تستحم ولك نفس رائحتها. أشعر بالمرارة. أسرع الخطى. أرغب

فائقة الغبار

كانت قادمة من جنازة، جنازة كلبها الذي توفي عن عمرٍ طويل، جنازة لطيفة. ربما لن أحظى بمثلها، لكن ما المهم في أن أحظى بشيء أم لا بعد موتي؟ لم يكن لي من الحظ سوى القليل في الحياة. حظ الكلاب. لربما قد حظيت دون أن أدري أو أدري لكن أنكر، هكذا هو الانسان. لابد من الإشارة أن هناك أناس يعيشون في حالة مأساة حقيقية بما لا مجال فيه للشك. لا أدري، إن كنت واحداً منهم. لكن سأفترض كما قد يفعل أي

قفزة سريعة الزوال

مددت من النافذة رأسي فقط. فعلت ذلك بهدوء حتى لا أزعج نوم الآخرين الذين يسكنون في الغرف المجاورة. من النافذة، أمتلك إطلالة رائعة على ضواحي حلب، خارج لندن. كنت ألاحق المخدة التي تهرب مني في كل مرة أحاول فيها النوم. لا أدري، دائما هكذا تسير الأمور معي. أشياء تهرب، وأخرى تسبقني، وفي مرات كثيرة أضيع أنا من نفسي. أتذكر الوقت الذي عملت فيه مهندساً، عُينت في قسم البرمجة، كانت واحدة من تلك المراحل التي كنت أشعر فيها أنني شديد الغباء،

خارج الحياة بقليل

في وقتٍ سابق وبعيد، وجد ك نفسه في مباراة فردية للتنس. كانت اللعبة فردية لدرجة أنه كان اللاعب الوحيد فيها. لم تكن هناك كرات أو شباك، لكن التصفيق كان مسموعاً حتى قبل بداية اللعبة. أحب نفسه الموجودة على الطرف الآخر، وواجهها بكل حزم. خسر بعض النقاط وهو يفكر فيما إذا كانت الإذاعات والصحف ستتحدث عن المباراة في قسم الرياضة أم قسم الدراما. ازداد تصفيق الجمهور وهياجه بعد أن نصحه المدرب: ” حان وقت أن تقلب النتيجة “. شدّ على ساعده

الموت: يا سيد الحل!

هناك مرة حاولت فيها كتابة يومياتي. لكن عندما عدت إلى ما كتبت لاحقاً، وجدت أنه على الرغم من عدم ذكر أي وصف للمكان لكن لا يمكن لأحد أن يقرأها دون أن يتخيل أنه في مشفى. حيث كتبت بأن اليوم هو الاثنين، الكل يكره يوم الاثنين، لكن بالنسبة للشخصيات الموجودة في مذكرتي، هو يوم مثل أي يوم آخر، محاولة أخرى للبقاء حياً. أتابع، التقيت ك في الردهة. لم يسلم علي. سقطت عدة قطرات، ربما لم يقل لي مرحباً بسبب ذلك: لا

حفلة كبيرة

“أستطيع التحديق في الشمس دون أن أرى بصيص نور منها” دار الكلب عدّة مرات حول المكان ليؤكد للمارّة أن هذه الدائرة الصغيرة التي شكّلها أصبحت محجوزة له ولصاحبه -الموسيقي الأعمى- طيلة ساعات النهار وعند انتهائه من دورته السابعة توجه إلى جانب صاحبه، رفع ذيله وهزّه ليضرب به ساق العازف، معلناً بدء الحفلة الموسيقية. أخرج الرجل الكمان من حقيبته ببطء شديد كما لو أنه يتحضّر للعزف على أهم مسرح في العالم وينتظر أن تتناغم حركاته مع فتح الستارة.. انطلق بعزفه من

لا يوجد قارئ. أين هو؟ لماذا لم يُحدث الكتاب أثراً إلى الآن؟

لقد نشرت كتاباً، لكن لا يوجد قارئ. أين هو؟ لماذا لم يُحدث الكتاب أثراً إلى الآن؟ هناك طريقتان للكتابة. أولهما هو أن تكتب ما يفوق جموع الناس أو عكس فهم الجموع وهذا النوع من الكتابة التي توصف بالعبقرية وتحتاج إلى وقت طويل وأمد بعيد حتى يستقبل ويعطى قدره. الثاني هو أن تكتب ما يتناسب مع الجمهور أو حتى أقل منه وهذا النوع يمكن أن يطلق عليها الكتابة الموهوبة وهي سريعة الوصول وتحدث أثراً مباشراً، حيث يتمتع الكاتب هنا بمواهب عدة

عالم يخلو من الفراغ

“ إن الأشخاص لم يخدعوني قط، أما الرسائل فدائماً“ كافكا منذ السنة التي تحول فيها ك إلى العمل من المنزل- لخمسة أيام ويوم في المكتب، وإحساسه بالمكان، الغرفة، التي يجلس ويعمل فيها يضيق، وكأنها تأخذ بالتقلص. لذلك، بدأ في نقل الاغراض منها وكل يوم نجح فيه بالاستغناء عن شيء من الموجودات  ونقله إلى المستودع، شعر بأن إتمام اليوم أمر أكثر قبولاً، رغم أن الشعور نفسه لا يختفي ويظهر مجدداً بنفس القوة في الصباح التالي، لكن لا بأس، طالما أنه ليس

البحث عن صوت

المشي، أحياناً يكون طريقة للتخلص مما يؤرق الذهن، وكثيراً ما يكون طريقة لإنتاج فكرة جديدة، الحالتين تحملان راحة كبيرة، بمثابة خلاص للسيد ك، فهو واحد من هؤلاء الذين يرتاحون عندما تنتج أذهانهم فكرة، على الرغم من أن أفكاره، إلى الآن، لم تؤت بأي نتيجة مفيدة ليس له ولا للبشرية، لا بأس.. فهو بطبيعته ينزع إلى الأوهام. يدرك ك أنها أوهام، أحلام، أفكار رجل بائس.. لكنها منعشة له بكل الأحوال. هذا التخيل والخلط بين الواقع والخيال وكأنه نقاش بين العالم المعقول

نافذة جديدة

  دخل ك إلى غرفته الباهتة إلى حد خارق للمألوف في إحدى الفنادق المكسيكية. عائداً من كازينو خسر فيه كل ما جناه من تجارته بالمخدرات. بدا وجهه شاحباً كما لو أنه عبر من تلك الشوارع الخالية من كل شيء إلا القناصين.. في ذلك التجريد والعراء والعنف تخرج من الإنسان تلك النسخ المتخفية في جوفه، نسخ تخلق دونما جهد وفي طرفة عين. بدا كما لو أنه فرد قذر من عصابة وليس تاجراً، لم تعرفه كلابه، نبحت، وعضت بعضها البعض. مات ك

‎مؤخرة الموقع

‎القائمة الجانبية المتحركة